الجمعة، 19 سبتمبر 2014

رسائل الغرباء (5)





























عزيزي محمد :

رسالتك السابقة كانت دسمة جدا ، إستغرق الأمر قراءتها عدة مرات فقط لأصل إلى مقصدك !
أعجبتني الفقرة التي كنت تدافع فيها عن الموسيقى الكلاسيكية .. وددت أن أنشرها منفردة وأخبر الجميع بأني فخورة جدا بمراسلتي لهذا الشخص ، ولاحظت أيضا نشرك للسنفونية السادسة لتشايكوفسكي ! أما عن الملحمة التي أرفقتها مع الرسالة فسأكتفي بأن أخبرك أن عدة أشخاص أرسلو ليخبروني أن " على فكرة محمد دا ذوقه عالي جدا في المزيكا" أو " دا بيسمع مزيكا تقيلة" ..

اكتشفت أن شهر سبتمبر جميل جدا ، خبأ لي الكثير من السعادة والإكتشافات الصغيرة المذهلة !
لم أتخيل أبداً أن الإسكندرية يمكن أن تكون بهذه الروعة رغم أنها ليست زيارتي الأولى لها ، لكن في هذه المرة نضجت حواسي لأستطيع هضم جمال المدينة بشكل أكبر .. سألني أحد أصدقائي عن رأيي فيها بعد عودتي وأخبرته أن هذه هي المدينة التي أتمنى أن أعيش فيها بمنتهى السلام والسكينة و أن أموت فيها ممتنة غير حانقة على أي شئ مررت به أو تمنيت أن أفعله لم يحالفني الحظ والمشيئة .

شعرت فيها بأني خارج مصر ، الإسكندرية لها شخصية مختلفة إنطبعت كذلك على قاطنيها ، ستشعر أنهم يجيدون الضحك أكثر من سكان القاهرة أو المناطق الأخرى ، يحبون  الأكل جدا و البحر جزء أساسي من أنشطتهم اليومية ، أخبروني أيضاً عن روعة الإسكندرية في الشتاء !

في كل مرة أذيل أمنية العيش في الإسكندرية بأمنية أخرى .. أمنية الرفقة ، المشاركة .. الحب !
كيف يمكن لنا أن نكون أسوياء ، نتمتع بالقدر الأدني من الصحة النفسية دون أن يشاركنا أحد هذا الشغف بالموسيقى ، الأفلام ، الرقص ، المسرح ، تجارب الطعالم الجديد وقبلات المطر ، أنا مستقلة عاطفياً بدرجة كبيرة ، إحدى صديقاتي أخبرتني ذات مرة بعد إنفصالي أني solo dancer أحقق النجاحات وأحقق ذاتي بشكل أفضل جدا بدون رفقاء .. أعلم تماماً أني أجيد إدارة حياتي والإستمتاع بها حتى النخاع ولكن تظل جافة و أظل أبحث عن الحياة المثالية والتي مهما حققت لا أتخيلها بدون رفيق !


أشعر إني في حالة من السبات الشتوي ، من الفترض أن أنهي قراءة الكثير من الكتب هذه الأيام وعلي أن أبدأ بمشروع لتسجيل ما كتبته سابقا ولكن  لا أفعل شئ سوى الإلتصاق بسماعاتي والبحث عن الموسيقى الجيدة والأنتخة لساعات على السرير ..
الإنتظار أكثر ما أكرهه في الحياة ، أنتظر النتيجة النهائية للمنحة بمنتهى الملل وأشعر أني أضيع الكثير من الوقت .. إحساسي بالوقت مرتفع جدا ، طوال الوقت ينتابني شعور أني أضعت الكثير من عمري وأنه يوجد الكثير لأنجزه وأعيشه ، ربما لأني أشعر أني سأموت في العشرينات ، هذا الهاجس يمتلكني منذ كنت صغيرة كنت أخبرهم دائماً أني سأموت في الخامسة والعشرين ، مما يعني أني أمتلك سنتين فقط لأفعل كل هذه الأشياء ، لأتعلم ال music theory ، لأبدأ في كتابة روايتي ، السفر لأوروبا ، إنهاء قوائم الكتب  على الto read وقوائم الأفلام على الto watch ..
تعلم الفرنسية والأكورديون والرقص !

أكثر ما أكرهه هذه الأيام ويصيبني بالقرف ظهور العديد من أشباح الماضي في حياتي ثانية ، أتعامل معهم بصورة طبيعية جدا لأني لا أملك أحقاد الماضي ، لكن ما أكرهه حقاً هذا اليقين لديهم بأن كل شئ سيعود كما كان بالظبط وأن علاقتنا ستستمر مباشرة بصورة طبيعية بعد النقطة الزمنية التي إفترقنا فيها وكأن شيئاً لم يكن ، كأن جلدي لم يتغير آلاف المرات بسبب غبائهم ولؤمهم .. لماذا البشر هنا أغبياء و فاقدين للإحساس بهذا الشكل !

كيف أخبرهم أن الماضي مضى وأني الآن أخرى لا تستمتع بوجودكم في حياتها ولا تكن أي أحقاد .. أنا فقط أصبحت إنتقائية أكثر وأعرف تمام المعرفة مساحاتي الشخصية مع كل فرد ..

أتمنى أن لا أكون سردت كثيراً في رسالتي لك و أتمنى أن أقرأ ردك قريبا جدا جدا
أرسل لك السعادات الصغيرة والمحبة ..




الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

رسائل الغرباء (4)

عزيزي محمد :

أود أن أنقل لك سعادتي أني مستمرة في كتابة هذه الرسائل وأنك مستمر في الرد ، أتمنى أن لا أصاب بتقلبات مزاجية حادة تبعدني عن هذه المتعة المسروقة عنوة من روح الوقت ..
سألتني في رسالتك السابقة عن أسرتي وكيف حرمت منها ، هل تعلم أنه رغم ما عانيته من ألم بسبب هذه القصة لم أكتب عنها سابقاً ، حرماني من الأسرة من الأشياء التي أخجل من الحديث عنها دائماً ، الطبيبة النفسية التي أتردد عليها تخبرني دائماً أن هذه عقدتي الأكبر رغم كل ما مررت به في حياتي ..

قصتي ببساطة أن والداي منفصلان .. والدي نجح في تكوين أسرة جديدة وبدأ يتعامل معي بشكل ديناميكي تقليدي بحت خالي من المشاعر ، شكل من التعامل يفرضه الواجب والشكل الإجتماعي ، معلب وبارد ومقيت ..
لدى والدي الآن زوجة وطفلتين (مريم و زينب) ، أنا وأمي وأخي وأختي نحاول أن نعيش حياة طبيعية وسوية ولكن ينتهي بنا المطاف إلى الإنقسام إلى المزيد من الجزر المنفصلة ، أنا في غرفتي دائماً لا أختلط بأحد إلا أوقات الطعام لا أشاركهم جمال اللحظات التافة مثل مشاهدة التلفاز أو سرد الأحداث اليومية المكرورة أو النم على الجيران ..

لا أريد أن أدخلك في تفاصيل هذه التجربة السخيفة من حياتي لكني أتأقلم وأتعامل مع كل ما يحدث الآن بصورة طبيعية خالية من الدراما المرهقة وتحليل التفاصيل واسترجاع الماضي أو التقليب في صورنا القديمة .. كما أقول دائماً عن نفسي يا محمد ( جيدة تماماً للبدء من جديد ) ..

غدا سأقضي يوماً رائعاً في الإسكندرية ، سأقابل مجموعة من الأصدقاء ، ربما يحضر أمير الأربعة أيام أو لا .. لا أعلم حتى الآن لكن أتمنى أن يحضر ..
سأرتدي فستان صيفي ملئ بالزهور وسأترك شعري طليقا ليداعبه هواء الإسكندرية .. ربما سأرفع صورة لي على الفيس بوك ، ربما سيعجبه الفستان أو شعري .. ربما سأعجبه بكليتي ..
ولكن غالب الأمر أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن ..

أريد أن أخبرك أني سعيدة جداً أن مجموع ما نمتلكه الآن سبعة رسائل والكثير من الود والفضول ، أتمنى أن تكون مستمتعاً بمراسلتي كما أشعر .. تمن لي الحظ السعيد كما تفعل دائماً ..

هامش : حدثني أكثر عن الموسيقى التي تحبها في رسالتك القادمة وأرفق بعضاً منها ..




الاثنين، 15 سبتمبر 2014

رسائل الغرباء (3)


عزيزي محمد :

اليوم أتممت آخر إختبارات المنحة التي حدثتك عنها سابقاً ، أراحني جداً أني كنت صادقة مع المدربة بدرجة مستفزة ، لكن هل يوجد أجمل من أن نكون أنفسنا طوال الوقت ..
الجمال أن نتسق مع ذواتنا الهشة ، أحلامنا البسيطة ، وضعفنا أمام من فتنوا قلوبنا !
أريد أن أعترف لك بسر .. أنا معجبة بفتى يشبه السعادة ، إلتقيته في المؤتمر الذي أخبرتك أني سأتطوع فيه ..
كيف أخبرك أن ابتسامته تشبعني بالرضا ؟ هل يمكن أن تصدق أنه أجمل من الموسيقى ؟ كيف يمكن لشخص أن يمتلك هذه العيون يا محمد ؟ أنا في حالة جيدة وسيئة على السواء.
أفيق على حقيقة أني في ال23 ومضت على مراهقتي سنوات كثيرة كي أفكر في شخص بهذه الطريقة .. لكن كنت سعيدة بالقرب من طيفه ، كنت أشعر بالألفة والدفئ والأسرة التي حرمت منها .
ربما أحببته في أربعة أيام ربما سأنساه ، ربما أيضا سيظل خيطاً من الحب والحنين يربطني به لكن لا شئ سيتغير .. كالعادة سيمضي كل في طريقه وستمشي مشاعري بسرعة الضوء لأكتشف أني كنت مراهقة حمقاء .

أعرف أني تأخرت جدا في رسالتي هذه ، لكن حياتي أصبحت تسير برتم سريع جدا يخيفني أحياناً ، لم أعهد أن كون ناجحة ومتحققة منذ زمن طويل ، نسيت كيف أكون خارج دواماتي إكتئابي وصراعاتي المزاجية الحادة .. نسيت أن هناك حياة طبيعية تنتظر وأن الفرص بالجوار وأن القلب جيد كفاية لكي يبدأ ثانية رغم كل شئ ..

رسالتي هذه قصيرة لأن ذهني مشتت ، منشغلة جدا بأمر منحتي الدراسية و قبولي وظروف إنتقالي للعيش بالقاهرة
أتمنى أن أطمئن برسالتك قريباً .. أفتقد كلماتك جدا ، عجل بالرد ..







الخميس، 4 سبتمبر 2014

رسائل الغرباء (2)

عزيزي محمد :

أكتب إليك ثاني رسائلنا على صوت دينا واشنطون تغني بمنتهى اليأس المكدس في أعماق العالم "this bitter earth" .. لن أخبرك أكثر عن الأغنية أو عنها أو عني وأنا أسمعها .. سأتركك تقرأ رسالتي على صوتها ..


لا أريد أن أملأ رسالتي بأخبار حياتي اليومية ، قصص فشلي أو نجاحي التافهه ، إستغراقي لساعات أمام مواضيع جافة عن هندسة الحاسبات أو عدم رضاي عن نفسي خلال مقابلات المنحة التي أخبرتك عنها ..
لكن دعني أخبرك عن إنتصاراتي ، كتبت منذ يومين أن أكثر المرات التي شعرت فيها بالإنتصار كانت تلك المرات الجميلة التي اكتشف فيها موسيقى حلوة أو فرقة غنائية رائعة أو مطرب عبقري ..

أخبرتني في رسالتك السابقة عن الخزي ، تلك المفردة التي توقعت أن تقرءها في رسالتي لكنك وجدت بدلاً منها "الخوف"
لكن هل لاحظت أن كلاهما يبتدأ بحرف "الخاء" هذا الحرف المفخم ، الغير موسيقي ، الذي يقع على الأذن ولا يمر برهافة .. حرف الخوف والخزي والخذلان أيضاً .. حدثني عن من خذلوك إن أردت !

كنت أفكر في إحدى المرات وأنا أضع الهاند فري في أذني وأستغرف تماماً كعادتي في إحتمالية أن تنكسر لعنة الحب التي تطاردني و أقول في خاطري و وجهي كوجه فتاة نصف تعيسة نصف سعيدة " اللي هحبو لازم يكون بيسمع مزيكا حلوة ! آه  .. أنا صحيح مش مؤمنة بحاجة إسمها مواصفات فارس الأحلام .. بس أنا مؤمنة قوي بالمزيكا "..

قد يكون هذا أثر حفلة زياد الرحباني (بها الشكل) التي كنت أسمعها أثناء دراستي ، كانت أخر معزوفة بعنوان (شو بحبك) قدم لها زياد الرحباني بهذه الكلمات :

"بتضلا عم تحاول تفهمو قديش بتحبو ، بتقلو بحبك أو كتير بحبك أو إذا عسرت ريتك تقبرني
وبرضو بتحسا مش كافية آخر شي بيطلع معا ، أنا يموت فيك ..
وهيدا ماكسيمم يعني ، راحت البنت !!
ورغم هيك .. بتحس إنا بعد بتحبوا أكتر ما الكلام بيساع !
فبتجي الموسيقى عم تحاول تفرجيه قديش.. "

الموسيقى انتصاري الصغير وهروبي الكبير من كل القبح الموجود في الجوار ، وسيلتي الوحيدة للحفاظ على روحي ، أخبرني كيف تحافظ على روحك !

ربما أصبحت أشجع نفسي على الحياة ، على أن أكون في منتهى الجمال ، أن أكون قوية بمسحة من الشجن المحبب حينما أسمع السنفونية الخامسة لتشايكوفسكي وأخبر نفسي بصوت أشبه بالهتاف " أنا هبقى حلوة زي المزيكا دي .. أنا هبقى شبه المزيكا دي في يوم من الأيام ! "

لا أعرف إن كنت صادفت شخصاً يتمنى أن يشبه مقطوعة موسيقية من قبل ولكن .. هذه أنا بمنتهى التجريدية وهذه ما أود أن أكونها ببساطة ..

أعتذر لك عن رسالتي القصيرة المتأخرة عن موعدها الذي سبق واتفقنا عليه .. ولكن صحتي وظروفي لم تتح لي أن أكتب لك في موعدي ..

أنتظر رسالتك الثانية جدا وأتمنى أن تصلك في أفضل حال ..